الإجابة المختصرة هي، يمكننا تسريع كتابتنا وتجويدها والانطلاق في الكتابة بسلاسة من خلال:
- ممارسة الكتابة باستمرار، وخاصّة نوع الكتابة المراد تطويره وهو هنا الكتابة المعتمدة على المصادر.
- بتحسين مهاراتنا في فهم المقروء واستيعابه، فكلّما استوعبنا وهضمنا محتوى المصادر استطعنا أن نكتب بسلاسة.
- لا تتعجّل الإتقان وأعطِ نفسك الوقت الكافي للتطور والتمكّن من هذا النوّع من الكتابة. وتذكّر أن الكتابة نوع من التفكير وتحتاج إلى وقت وجهد وممارسة لنتمكّن من المهارة.
أمّا الإجابة المفصّلة فسأعرضها من خلال الإجابة عن سؤالين أساسيين، ثم أعرض نصائح مفيدة بإذن الله:
- س١: ما طبيعة كتابة المقالات والتدوينات التي تعتمد على المصادر؟ وكيف نصفُها؟ وإلى ماذا نحتاج للكتابة بجودة وسلاسة؟
- س٢: هل هناك عوامل تؤثر على سلاسة تعاملنا مع المصادر والاستفادة منها؟
- نصائح تساعد على تسريع كتابة المقالات المعتمدة على المصادر وتجويدها، والتخلّص شيئًا فشيئًا من البطء وضعف الكتابة.
ما طبيعة كتابة المقالات والتدوينات التي تعتمد على المصادر؟
يمكن أن نصنّف هذا النوع من التدوين والنصوص الطويلة بأنّه كتابة بحثية، لأنه يحتاج إلى البحث في المصادر سواء كانت ورقية أو إلكترونية، وستحتاج إلى توثيق ذلك بوضع روابط للمصادر ضمن التدوينة أو الإشارة إليها في المتن أو الهامش.
قد تنشر تلك التدوينة في مدوّنتك الشخصية أو مدوّنة للأعمال التجارية أو على أي شبكة من الشبكات الاجتماعية التي تسمح بالنصوص الطويلة. وقد تكون تلك التدوينة مقالةً أو تقريرًا أو تقديمًا لدراسة حالة أو غير ذلك من المحتوى النصّي الطويل.
وهو يختلف عن نوع تدوينات الخواطر واليوميات والتأمّلات الذاتية، أو تلك التدوينات التي يعتمد فيها الكاتب على خبرته وتجربته في المجال فهو يستطيع أن يجعل مصدره تجربته وخبرته العمليّة، فيقول من واقع تجربتي كذا وكذا. والأمر يرجع إليه في إيراد مصادر من دراسات وإحصائيات تعزّز طرحه أو رأيه.
نصل هنا إلى خلاصة في طبيعة كتابة المقالات والتدوينات التي تعتمد على المصادر فهي:
بحثية باعتبار خلفيتها والتحضير لها، ولكنّها رقميّة من حيث نشرها وعرضها.
ولتوضيح ذلك إليك هذا المثال:
فلنفترض أنّه مطلوب منك مقالة بعنوان: كيف يمكن تحسين ظهور المدوّنات في محركات البحث؟ فستحضّر للمقالة بإجراء البحوث اللازمة حول الموضوع حتى يتكوّن لديك فهم جيد تستطيع من خلاله أن تكتب، وإليك صورتان لكتابة المقالة وتقديمها:
- إذا كانت المقالة تكليفًا دراسيًّا من أستاذك في الجامعة فإنّك ستكتبها بطريقة منهجية علميّة كما هو متعارف عليه، وتنسّقها وفق التنسيق المطلوب في جامعتكم أو حسب معايير أستاذك.
- أمّا إذا أردت نشرها على الإنترنت فستقدّمها وفق معايير الكتابة الرقمية: بلغة سهلة وواضحة ومباشرة، وربما تغير العنوان ليكون جاذبًا أكثر، وتنسّقه وفق متطلبات الكتابة الرقمية بما يتناسب مع القارئ الرقمي ومتطلبات محركات البحث.
اتّفقنا إذن على أن كتابة التدوينات والمقالات الرقميّة هي نوع من الكتابة البحثية، نستفيد من ذلك أننا إذا أردنا تحسين كتاباتنا وتجويدها وتسريعها، فسنحتاج إلى تحسين مهاراتنا البحثية والتي منها تحسين فهمنا واستيعابنا للمقروء وهضمه.
فكلّما كان استيعابنا وهضمنا لما نقرأ أجود وأسرع استطعنا أن نكتب بوضوح وسرعة وجودة.
العوامل التي تؤثّر على فهمنا واستيعابنا للمصادر
حتى لا نقسو على أنفسنا ونتّهم أنفسنا ببطء الفهم ومن ثم بطء الكتابة علينا أن نعرف أن هناك عددًا من العوامل التي يمكن أن تؤثّر على فهمنا واستيعابنا، وما يحضرني منها الآن:
- مدى المعرفة بلغة المصدر المستخدم: فإذا كان المصدر أو المرجع باللغة العربية التي هي لغتنا الأم، فإنّ فهمنا بالتأكيد سيكون أفضل من إذا كان بلغة أجنبية مهما كان إتقاننا لها.
- مدى قربنا من المجال المعرفي: فإذا كنا نكتب عن موضوع قريب من مجالنا وتخصّصنا ولدينا خلفية عنه فإن استيعابنا للمقروء والاستفادة منه وتوظيفه في كتابتنا سيكون أسرع بالتأكيد، والعكس صحيح. فعلى سبيل المثال لو كان تخصّصي لغة عربية مثلا وأريد أن أكتب مقالة عن التحسين لمحركات البحث أو عن موضوع من مواضيع التقنية المالية، فإن كتابتي ستكون بطيئة جدًا لأن فهمي لما أقرؤه في المصادر أيضا بطيء، وهذا شيء منطقي جدًا، ولا يمكن أن ألوم نفسي على بطئي في الكتابة.
- أسلوب الكتابة في المصدر (التخصّصية): تتفاوت الأساليب في الكتابة؛ فقد نجد أحد المصادر يكتب بلغة تخصّصية جدًا ويستخدم مصطلحات ذات علاقة بالمجال، وهناك كاتب آخر يستخدم لغة مناسبة للجميع. فعلى سبيل المثال: الموضوعات التقنية التي أصبحنا نحتاج لها في كتابتنا على الإنترنت، عند العودة للمصادر ستجد أن بعضها يستخدم لغة متخصّصة ومصطلحات تقنية، وبينما آخر يضع تعريفًا لكل مصطلح بل ويوضحه بلغة قريبة للناس أو يستخدم التشبيه والتمثيل. لا شكّ أن مدى سرعة استيعابنا سيتأثر عند القراءة في المصدرين.
- طريقة الكتابة (التنسيق): هناك مصادر مكتوبة بعناية وحرفية، تجد أنها مقسمة إلى عناوين جانبية وفقرات، أو أحيانًا فقرات دون عناوين جانبية لكنّ الفقرة نفسها منظّمة، ومرتبطة بما قبلها وما بعدها، والنصّ متماسك. على الجانب الآخر نجد مصدرًا لا يراعي القارئ كثيرًا ويكتب باسترسال مع ضعف في التنظيم وإحكام الفقرات، مما يجهد القارئ في استخلاص الفوائد ومعرفة ما يريد الكاتب قوله.
- أسلوب الكتابة ولغته: فهناك كتابات عميقة فكريًّا وهناك كتابات يمكن أن نصفها بالسهولة أو السطحية وبينهما درجات، ومن المتعارف عليه على سبيل المثال أن أسلوب العقّاد صعب نوعًا ما بخلاف أسلوب المنفلوطي أو الشيخ علي الطنطاوي السلس، رحمهم الله جميعًا.
- الوسيط: قد يكون المصدر التي تستخدمه نصوصًا مكتوبة وقد تكون مسموعة بودكاست مثلًا، فمن وجهة نظري التّعامل مع النصوص المكتوبة أسهل؛ حيث يمكن مسحها بصريًا والعودة إلى الفقرات السابقة واللاحقة، بخلاف المسموع الذي يحتاج إلى جهد أكبر.
- مستوى مهاراتنا في القراءة والكتابة: ومدى ممارستنا لها، فإذا كنت في بدايات تعاملك مع البحث في المصادر وهضم الأفكار والكتابة عنها فبالتأكيد ستكون عملية صعبة وبطيئة، وهذا أمر طبيعي وبدهي. وكلّما زاد استخدامك للكتابة البحثية الرقمية، ومارستها بشكل موجّه فإن عملية القراءة والكتابة ستصبح أسهل.
٣ نصائح تساعدك على كتابة المقالات بسلاسة وجودة
١. كن واعيًا بقدراتك الحالية وبطبيعة الكتابة
- الوعي بمستواك وقدراتك وكونك مبتدئًا أو متقدّمًا في الكتابة البحثيّة الرقميّة يجعلك تضع الأمور في نصابها ويمنحك التفاؤل والمضيّ في التدريب والممارسة بأريحية دون شعور باليأس أو لوم للنفس.
- وكذلك معرفتك ووعيك بطبيعة الكتابة وأنّها ضربٌ من التفكير وأنّ تطويرها يتطلب جهدًا ووقتًا، وبطبيعة القراءة من أجل الكتابة وأنّها معالجة واستخلاص ودمج هي تفكير أيضًا؛ يساعدنا ذلك بأن نرفق بأنفسنا وألّا نحمّلها ما لا تطيق منذ البداية، ونسير بها بوعي في الطريق الصحيح الذي يوصلنا لما نريد.
٢. حدّد موقع معرفتك من المتطلبات المعرفية للموضوع الذي ستكتب عنه
- هل هو قريب من مجالك وتخصّصك؟ حينها سيكون البحث والقراءة أمرٌ سهل، تنتقل منه إلى الكتابة بسلاسة.
- أم هو موضوع عام وغير تخصّصي ويمكن بالقراءة والبحث الإلمام به والكتابة عنه؟
- أمّا إذا كان بعيدًا عن مجال تخصّصك ومعرفتك ولكن بإمكانك تحصيله بقدر من الجهد؛ فستحتاج إلى تأسيس قاعدة معرفية مناسبة تؤهّلك وتعينك على الكتابة. وإليك بعض الأساليب النافعة:
- تستطيع الاستفادة من الذكاء الاصطناعي: بأن تسأله عن أساسيات التخصّص الذي تكتب عنه والموضوع الذي تكتب فيه، وتطرح عليه جميع الأسئلة الأوّلية التي تحتاج إليها لتأسيس قاعدة معرفية جيدة، وكن حصيفًا في تعاملك معه ومحّص ما يعرضه عليك.
- العودة للمواد المرجعية للموضوع أو المجال: سواء كانت ورقيّة أو رقميّة على الإنترنت، ومن ذلك:
- الكتب والأدلّة المرجعية، مثل الكتب التي تدرّس عادة في السنة الأولى من التخصص الجامعي، والمعاجم، والموسوعات.
- مواقع المنظمات والهيئات والوزارات، لاسيّما مع الموضوعات التي تتطلب معرفة التشريعات والأنظمة والقوانين. فعلى سبيل المثال: إن كنت ستكتب عن التجارة الإلكترونية في السعودية فسيفيدك معرفة أنظمة التجارة الإلكترونية من موقع الوزارة، بما فيها من تعريفات ومصطلحات وقوانين.
- استخدم الأدوات الرقميّة التي تعرّفك على المجال وتقرّبك منه، وستجد عددًا من تلك الأدوات المفيدة في تدوينة يونس بن عمارة كيف تُجهِّز نفسك لكتابة محتوى عن مجال جديدٍ عليك كلّيًا؟
٣. استخدم استراتيجيات وتقنيات تساعدك على فهم المقروء واستخلاصه للكتابة
ومن أمثلة ذلك،
- استراتيجيات فهم المقروء وهناك العديد منها، وأدعوك للاطّلاع على مقالتي بعنوان ٣ استراتيجيات فعّالة للقراءة تفيد كاتب المحتوى.
- تكنيك خاصّ بي يناسبني كثيرًا وسأفصح عنه هنا، يمكنني تسميته بـ “قولها بالعامية”:
- فإذا قرأتَ شيئًا اسأل نفسك بالعاميّة: من الآخر كدا أيش يبغى يقول الكاتب؟
- وإذا أردتَ أن تكتب اسأل نفسك: بالبلدي كدا أيش أبغى أقول؟ في الحالتين ستكون إجابتك بالعاميّة أيضًا وستكون كلماتك في الصميم، حوّلها بعد ذلك للفصحى. بصراحة أشعر بالخجل من ذكر هذه الأداة لكنّها تعمل معي بفاعلية، جرّبها وأخبرني بالنتائج.
- استخدم الكتابة لفهم المقروء: لا تكتفِ بالتعامل النظري مع النصوص والمصادر، بل استخدم الكتابة ملخّصًا الأفكار وجامعًا بينها، كرّر الكتابة حتى تتضّح لك الفكرة التي تريدها وصُغها بكلماتك وعباراتك الخاصّة.
ها قد انتهينا من هذه التدوينة التي أكتبها ضمن تحدّي #٣٠ـ يوم- مع- الكتابة، وهي ثاني تدوينة أكتبها، والتي كانت عبارة عن إجابة لسؤال طرحته زميلتي رزان في مجتمع رديف.
آمل أن تكون الإجابة مفيدة، وأدعوك إلى أن تساعدني على الاستمرار في التحدّي بأن تطرح علي سؤالًا حول الكتابة لأكتب عنه تدوينة.
آراكم غدًا في التدوينة الثالثة بإذن الله.
2 Responses
مقال ممتاز بارك الله فيك على نشر العلم والمعرفة
جزاك الله خيرًا أ. يونس، أنت أستاذنا وُملهمنا.