اخترتُ كتاب “الكاتب ومجالسة الفكرة” لكي يكون كتاب شهر فبراير، فلماذا اخترته؟
أحببتُه من عنوانه ولم يكن لديّ أي فكرة مسبقة عنه؛ فكلمة “مجالسة الفكرة” تحديدًا جذبتني جدًا وما زال ذلك التأثير موجودًا كلّما قرأتها، فهي توحي بالتأمّل والتّفكير والصّبر والمصاحبة والمحاولة.
ولمّا وصلني الكتاب أعجبني الغلاف جدًّا، ولكنّي فوجئت بحجم الكتاب 619 صفحة، ولكن ممّا يخفّف من المفاجأة والتّخوف من عدم القدرة على قراءة الكتابة هو أنّ الكتاب عبارة عن مقالات لعدد كبير من الكتّاب حول الكتابة، عنى ذلك بالنّسبة لي أنّني أستطيع أن أقرأ مقالة كاتب واحد في جلسة واحدة ممّا يسهّل التّعامل مع الكتاب.
بدا لي الكتاب كّأنه مجموعة كتيّبات صغيرة، هكذا أراه الآن.
الكتاب من منشورات دار النشر السعودية أثرى المحتوى للترجمة والنّشر، وهو من تحرير هيلين هول، وترجمة حصّة العمران.
أحببتُ القراءة فيه لولا سرد بعض التّفاصيل عن مسيرة كل كاتب، كانت محرّرة الكتاب هيلين هول تقدّم لكلّ كاتب بنبذة مختصرة من حياته لا أرى أنّها مفيدة لي ولم تكن ممتعة؛ فكنتُ أتجاوزها إن لم أجد فيها ما يجذبني.
لكن إذا أعجبني مقالة كاتب ما أعود لأعرف اسمه ومن هو.
قطعتُ الآن ثلث الكتاب، وليست هذه التّدوينة مراجعة أو تقييم للكتاب، لا.
كلّ ما الأمر أنّ إحدى المقالات لمحتُ فيها مظاهر أسلوبية أعجبتني واستوقفتني فأحببتُ أن أشارككم إيّاها.
الأسلوب الأول في قول: يسمّونها رواية وما هي برواية
ورد هذا الأسلوب في النصّ الآتي:
“إنّ ممّا يقوم به مُراجع هذه الكتب هو أن يقيس بمحض معرفته ويصنّف وفقًا لرأيه الخاص فيسمّي بعض الكتب “رواية” وما هي برواية .. ” ريتشارد لوكريدج ص٩٢
أعجبني استخدام الأسلوب القرآني في التّرجمة، فزيادة حرف الجرّ الباء في الخبر المسبوق بأداة نفي (ما، ليس) يفيد توكيد النّفي، وأقرب مثال للأسلوب ما جاء في قوله تعالى:
( وإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) الأحزاب.
الجمال في قوله: “وما هي براوية” برأيي هو محاكاة أسلوب القرآن في التّعبير بالإضافة إلى الغرض البلاغي لاقتران حرف الجر الباء بالخبر المسبوق بنفي الذي هو توكيد النّفي.
وقد كنتُ أقرأ في كتب الأدب قديمًا أنّ استخدام الخطيب أو الأديب لشيء من أسلوب القرآن ومفرداته يزيد الكلام بهاءً وقوّة.
ولاستشعار حلاوة الأسلوب إليك هذه المقارنة
ماذا لو قال الكاتب أو المترجمة على الأصح: “فهم يسمّونها رواية وهي ليست رواية”، أو قال “فهم يسمّونها رواية وما هي رواية”.
بالتّأكيد ليست في تأثير قولها: وما هي برواية.
الأسلوب الثاني في قول: فما رواية الجريمة إلّا كغيرها
ورد هذا الأسلوب في النصّ الآتي:
“الحقيقة أنّه ليس ثمّة شيء مهم يجدر بكاتب رواية الجريمة أن يوليه اهتمامًا دون غيره، فما رواية الجريمة إلّا كغيرها من الرّوايات لها حدودهها وقدراتها وليست ألغازًا أو حيلًا استعراضيّة .. إلى آخره”. ريتشارد لوكريدج ص٩٣
الأسلوب: “فما رواية الجريمة إلّا كغيرها من الرّوايات”.
اسم الأسلوب:
- في مباحث البلاغة يسمّى أسلوب القصر.
- أمّا في مباحث النّحو فيسمى الاستثناء المفرّغ لأنّه (1) منفي، و(2) لا يوجد مستثنى منه.
وأسلوب النفي والاستثناء أو القصر هنا هو أحد أساليب القصر وهناك أساليب أخرى، تعرّف أكثر على طرق القصر.
والغرض البلاغي منه في العبارة السابقة قصْر رواية الجريمة على أنّها مجرّد رواية كغيرها من الرّوايات، وأنّها ليست مختلفة في طريقة كتابتها عن باقي الرّوايات أو بحسب المعنى الذي يريده الكاتب.
ملاحظة
كتبت في العنوان مختارات أسلوبيّة ثم أثبتُّ أسلوبين فقط، قد يكون ذلك مخالفًا للعنوان لكنّي سأعمل لاحقًا على إضافة أساليب أخرى أعجبتني بإذن الله.
—————————————————
كانت هذه التدوينة رقم #٢٦ من تحدّي ٣٠ يومًا مع الكتابة.
ساعدْني على الاستمرار في التّدوين اليومي بإهدائي سؤالًا حول كتابة المقالات وتحريرها واللغة العربية، لأكتب عنه تدوينة.
ولا تنسَ الاشتراك في نشرتي البريدية في الصفحة الرئيسة من المدوّنة.
أراكم غدًا في التّدوينة القادمة بإذن الله.