مقالة اليوم من تدوينات عفو الخاطر التي أكتبها عفوًا وارتجالًا متأمّلةً فيها العلاقة بين الكتابة والصباح وتأثير كلٍّ منهما على الآخر.
أكتبُ في هذا الموضوع بطلب أسعدني كان قد وصلني من حساب غيمة على منصّة إكس حيث كتبت ردًا على منشوري:
الكتابة والصباح .. ما تأثير كلٍّ منهما على الآخر ، والباقي عندك.
والصورة أدناه لقطة شاشة لمنشور غيمة.
في هذه التدوينة أتأمّل العلاقة بين الصباح والكتابة وأحاول أن أتلمّس تأثير كلٍّ منهما على الآخر وأناقش ذلك من خلال أربع وقفات.
١. صفحات الصّباح والكتابة العلاجيّة
لعلّ أوّل ما خطر ببالي في العلاقة بين الكتابة والصباح ذلك النشاط المعروف باسم “صفحات الصباح” وهو ترجمة للمصطلح Morning Pages، وهو عبارة عن كتابة صباحيّة يوميّة، وبجولة سريعة في محركات البحث اتّضح لي أن هناك تناولات مختلفة للموضوع؛ فمثلا تذكر بعض المصادر أنّها ينبغي أن تكون كتابة يدوية وبعدد صفحات معيّن، وتخبر أخرى أنها تتعلق بالمبدعين وأصحاب الفنون، وهناك من يربطها بالعلاج بالكتابة.
بالنّسبة لي أمارسها بين فترة وأخرى؛ لأغراض مختلفة سيأتي ذكرها في الجوانب الآتية.
ولمعرفة المزيد عنها اكتبْ في محرك البحث صفحات الصباح باللغة العربية أو Morning Pages واستكشف أكثر هذا المفهوم.
٢. الكتابة الحرّة الصّباحيّة للتدرّب على تسييل القلم
الكتابة الحرّة كما ورد في كتاب الحكاية وما فيها لمحمد عبد النبي هي أهم كنوز صندوق أدوات الكتابة، وهي:
“أداةٌ، الهدفُ من استخدامها أن تضع على الورق أمامَك أيَّ شيء يخطر في بالك وقتَ الكتابة (أي شيء بمعنى أي شيء) لمدةٍ محدَّدة من الوقت (عشر دقائق مثلًا)، أو لعدد مُحَدَّدٍ من السطور أو الكلمات (٢٠ سطرًا أو ٢٠٠ كلمة)؛ الهدف أن تكتب فحسب، في دفقةٍ متواصلة، سواءٌ انطلاقًا من كلمة أو فكرة أو شخصية، أو حتى قطعة موسيقية أو لوحة فنية، والاحتمالات — كما هي العادة — بلا نهاية، أو دون أن تنطلق من أيِّ شيء بالمرة؛ من البياض المَحْض.”
بالنسبة لي فإنّ الهدف من الكتابة الحرّة وتحديدًا الصباحيّة هو تكوين عادة أو مزاج أو وضعيّة -لا أعرف ماذا أسمّيها بالضبط- الاسترسال في الكتابة والتّدفق وعدم التوقّف، أو ما يمكن تسميته بـ تسييل القلم.
وكما ترى فإنّ نشاط الكتاب الحرّة يمكن أن يكون في أي وقت من اليوم، لكن من وجهة نظري أنّه يعطي ثراء في اللغة والأفكار بشكل خاص عندما يكون في الصباح وعندما تستخدمه بشكل موجّه بدرجة ما، كما سيأتي في الفقرة القادمة.
بالنسبة لي فأنا أستخدم الكتابة الحرّة في أحوال عديدة، منها الكتابة الحرّة في صفحات الصباح، ومنها الكتابة الحرّة لأستوضح فكرة معيّنة، أو الكتابة الحرّة لمجرّد الكتابة والمحافظة على سيولة القلم، أو أستخدمها كتسخين وإحماء لاستمطار الأفكار واكتشاف موضوع ما سأكتب عنه.
٣. الكتابة قبل الاستيقاظ الكامل من أجل نتائج إبداعيّة
هذا النّوع من الكتابة الصباحيّة عجيب، تعرّفتُ عليه من أحد كتب تعليم الكتابة ولا أذكر بالضبط هل هو من كتاب أدوات الكتابة أمْ لياقات الكاتب؟
وركيزته الأساسية أنت تكتب وأنت ما تزال بين النوم واليقظة ولمّا يكتمل استيقاظك واكتمال وعيك بعد، هذا النّوع هو زادك في الكتابة الإبداعية.
حضّر ورقة وقلم إلى جوار سريرك وعندما تستيقظ وقبل أن يكتمل وعيك ابدأ الكتابة؛ اكتب في موضوع أو قصّة كنت قد بدأتها وعلقت في مكان ما مثلًا، اكتب وأنت شبه نائم ولا تحاول أن تستيقظ، حافظ على هذه الوضعية واكتبْ.
قد يبدو ذلك مضحكًا ولكنّه فعّال، سيعطيك نتائج عجيبة لأنّك ستستفيد من إمكانيات عقلك غير الواعي في الكتابة مع تعطيل عقلك الواعي. اكتبْ واسترسل ولا تفكّر ولا تحاول أن تستيقظ أو أن تستخدم المنطق بل اكتب بتفكير ضبابي ودوّن ما يُمْلى عليك.
جرّب وجّه ذهنك برفق تجاه موضوع معين وأنت في هذه الحالة واكتبْ، وأخبرني بالنتيجة.
٤. الكتابة في الصّباح من أجل المهام الكتابيّة العميقة
لن أكون مخطئة إنْ ذكرت هذه المعلومة البدهيّة، وهي أنّ الصباح هو وقت المهام الكتابيّة العميقة والثّقيلة؛ وأعني بالصباح هنا الصباح الباكر بعد صلاة الفجر حيث يكون الإنسان في كامل نشاطه.
فإن كان لديك مَهمّة كتابية تحتاج تركيز مثل: نصوص ستسلّمها لعميل، أو ستكتب رسالة مهمّة لجهةً ما، أو كنت تعمل على بحثٍ علميٍّ يحتاج تركيز وعودة للمراجع، فإنّ الصباح هو الوقت الأمثل لكتابة مثل هذه الأنواع التي ينبغي أن تكون مُحْكمة معرفيًّا وأسلوبيًّا.
قد يكون هناك تفضيلات لبعض النّاس بالكتابة ليلًا؛ لكن يبقى الصّباح وتحديدًا الصّباح الباكر هو وقت العمل والبركة، فقد قال صلى الله عليه وسلّم: “اللَّهمَّ بارِكْ لأُمَّتي في بُكورِها”.
لعلّك لاحظت فيما سبق آثار الصباح العجيبة على الكتابة لا سيّما في آخر نوعين.
ففي كتابة النّوع الثالث تكون الكتابة الفعّالة هي الكتابة شبه نائم وبتركيز عائم، وفي كتابة النّوع الرّابع تكون فعّالة عندما تكون بكامل وعيك وتمام قدراتك الذهنيّة، وكلاهما كتابة صباحيّة.
وقفة تأمّل حول كتابة التّدوينة
أريدُ أن أقول أنّه هكذا بدا لي أن أكتب حول العلاقة بين الصّباح والكتابة، رتّبتها وفق ما تكوّن عنها في ذهني.
في البداية كان لديّ تخطيط أن أكتب هذه التّدوينة بصورة مختلفة وذلك بأن أبدأ بسؤال: ما تأثير الصباح على الكتابة؟ وأكتب حول ذلك، ثم أسأل: ما تأثير الكتابة على الصّباح؟ ثُمّ أجيب. لكنّي لم التزم هذا النّهج واتّبعتُ طريقة التّناول التي تراها الآن ووصلتُ للنهاية ولا مجال للتّعديل فهذه تدوينة يوميّة محكومة بوقت محدود.
وآمل أن يكون محتوى التّدوينة مناسبًا للعنوان بطريقةً ما؛ فكلمة “وقفات” تدعم ذلك، ومن جهةً أخرى أرى أنّني قد أتيت على ذلك التأثير المتبادل بينهما في ثنايا الوقفات التي تحّدثت عنها.
لماذا أكتبُ مثل هذا التأمّل حول تدويناتي؟
أزعمُ أنّه هذه التأمّلات والتفسيرات التي أكتبها حول طريقة كتابتي هي قيمة مضافة لما أكتبه، وفيه أعطي القارئ المهتمّ بالكتابة فكرة عمّا يجري في كواليس الكتابة، وأنّ النصّ النهائي الذي يراه لم يخرج مكتملًا كما يبدو له، وأن هناك حوارات داخل ذهن الكاتب تؤثّر على اكتمال النصّ وشكله النّهائي، وأنّ ما تراه ليس أمثل شكل ومحتوى لهذا العنوان، وليس الشّكل الوحيد الذي يمكن أن تكون عليه التّدوينة، وأنّ النصّ الذي يقرؤه إنّما هو محاولة مُختارة.
آمل أن أكون قد وُفّقتُ في تقديم إجابة وافية لسؤال غيمة من خلال هذه التّدوينة
فما كان فيها من صواب فمن الله وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشّيطان.
إنْ أعجبتك تدوينتي تواصل معي للتعاون،
ولا تنسَ الاشتراك في نشرتي البريدية تجد خانتها في الصفحة الرئيسية.
مصدر الصورة Photo by Carli Jeen on Unsplash