وقع نظري اليوم على تغريدة في منصّة إكس للأستاذ خالد الأحمد يقول فيها:
“أعجبتني هذه الحكمة: “علامة الحرفي الماهر تكمن في مدى اتقانه بإخفاء أخطائه”
ماذا لو أعدنا تعريف الإتقان وأعدنا النظر إليه. الإتقان ليس الكمال ونظرنا إلى الأخطاء كبوابة نحو معرفة جديدة لتعلم مهارات حديثة.”
استوقفني الجزء الأوّل من التغريدة وهو:
“علامة الحرفي الماهر تكمن في مدى اتقانه إخفاء أخطائه”
ذكّرتني هذه المقولة بقصّة حصلت معي قبل ثلاثين عامًا، فقد كنت أحضر دورة تدريبية في التفصيل والخياطة مدّتها تسعة أشهر، وفي آخر الدورة كان مطلوب منّا أن نخيط ثوبًا رجاليًّا سعوديًّا، فعرضتُ الثّوب الذي خطتُه على أستاذتنا وأحاطت زميلاتي المتدرّبات بالطاولة المعروض عليها الثوب.
علّقت الأستاذة بأنّ الثوب رائع والشغل نظيف ودقيق، وأُعجبت زميلاتي بالثّوب، وأخذت واحدة من المتدربات تُمعن النظر وتقلّب الثوب بحثًا عن خلل، لكنّها لم تستطع.
وأحسبني قد أحسنتُ التّعامل مع ذلك الخطأ بفضل الله وتوفيقه؛ بدليل أنّي حصلتُ على ثناء معلّمتي، وعلى الأغلب -لستُ أذكر حقيقةً- أنّني تعلّمت درسًا من ذلك الخطأ.
ماذا عن التعامل مع الأخطاء التي يُحتمل أن تقع منّا أثناء الكتابة؟
الكتابة مثل أي صنعة ومهارة فإنّ الخطأ فيها وارد، ويجتهد الكتّاب وغيرهم من أصحاب الحِرَف في تجويد عملهم ليخرج تحفةً فنّيةً تخلب الألباب، وفي طريقهم لذلك يتعلّمون من أخطائهم إن وقعتْ، ويجترحون طرقًا لتفاديها قبل الوقوع، وما ذلك إلّا لوعيهم بصنعتهم ومعرفتهم بالمواضع التي يحتمل أن يخطئوا فيها.
وقد لاحظتُ أنّي أمارس شيئًا من ذلك، وأعني أن أستخدم بعض الحيل في الكتابة لأتجنّب مواضع الضعف والزّلل؛ لكي أنجو من اللوم وأيضًا أعطي نفسي فرصةً لكي أتقن ما ينقصني وأحسن التّعامل معه في المرّات القادمة.
ولا أحبّذ حقيقة استخدامها دائمًا، لأنّي أستحضر مقولة: من تتبّع الرّخص تزندق، والأمر ليس فيه زندقة ولا شيء من هذا والحمد لله. لكن قد نحتاج إلى تلك الحيل عندما نكون تحت ضغط الوقت والتسليم، وأحرص على أن أكون مستعدّة لمثل هذه المواقف مستقبلًا بالبحث والتمرين، لأن كثرة استخدام تلك الحيل يُضعف الكاتب ويغضّ من قدره أمام نفسه.
وتفادي مواضع الخطأ معروف لدى أصحاب الصناعات، بل لقد كانت تلك إحدى توصيات أبي قتيبة للكتّاب في كتابه أدب الكاتب.
ابن قتيبة يوصي الكتّاب بتفادي مواطن الزلل الُّلغوي
حيث يقول كتابه أدب الكاتب: “ونستحبُّ له -إن استطاع- أن يعدل بكلامه عن الجهة التي تلزمه مستثقل الإعراب، ليسلم من اللحن وقباحة التقعير، فقد كان واصِلُ بن عطاء سامَ نفسه للُثْغةٍ كانت به إخراجَ الراء من كلامه (أي كلّف نفسه إخراج الراء من كلامه وألزمها به)، وكانت لُثْغته على الراء، فلم يزل يروّضها حتى انقادت له طِباعه، وأطاعه لسانُه، فكان لا يتكلّم في مجالس التناظر بكلمة فيها راء، وهذا أشدّ وأعسرُ مطلبًا ممّا أردناه” (١)
—————————————————
الكاتب الماهر في رحلة تعلّم مستمر، يطوّر مهاراته وأدواته ويبتكر آليّاته الخاصّة في التّعامل مع نصوصه بالطريقة التي تتناسب مع قدراته.
وربّما في مقالة قادمة- بإذن الله- أشارككم بعضًا من الحيل التي أستخدمها أثناء الكتابة لأتوقّى الوقوع في الغلط.
هل مررتم بأمرٍ مشابه؟ هل لديكم بعض الحيل تجنّبكم الوقوع في أخطاء الكتابة؟ ابتدروني بها.
—————————————————
هذه التدوينة هي التدوينة رقم ٦ من تحدّي ٣٠ يوما مع الكتابة.
ساعدني على الاستمرار في التّدوين اليومي بطرح سؤال حول كتابة المقالات وتحريرها واللغة العربية، لأكتب عنه تدوينة.
ولا تنسوا الاشتراك في نشرتي البريدية في الصفحة الرئيسة من المدوّنة.
أراكم غدًا في التدوينة القادمة بإذن الله.
الهامش
(١) أدب الكاتب لابي قتيبة بتحقيق محمد طعمة الحلبي، دار المعرفة: بيروت- لبنان، طبعة ١٤١٨هـ -١٩٩٧م، صفحة ٢٥