حصّة التعبير المزعجة
كانت حصةُ التعبير من أثقلِ الحصصِ على نفسي في المدرسة؛ كانت حصةً مملةً وطويلة. كانت المعلمةُ تشرحُ موضوعَ التعبيرِ وعناصرَه ثم تطلبُ منّا أن نكتب، حينَها تبدأُ معاناتي. لا أستطيعُ أن أكتبَ، لا أعرفُ كيف أكتب.
أُحاولُ جاهدةً، لكنّي أجِدُ أن الكلامَ ينفدُ سريعًا. عندها أبدأُ في حركاتِ إضاعةِ الوقت والالتهاء بالحقيبة لعل وقتَ الحصة ينتهي، وأنجو من قولها: مريم، أقرئي ما كتبتِ.
أتساءلُ الآن:
لماذا كانت حصةُ التعبير ثقيلةً علي؟ لماذا كانت مكروهةً إلى هذ الحد؟ أظن-بل أجزم- بأنها كانت تشعرني بالعجزِ والفشلِ والإحباط.
لا أستطيعُ أن أضعَ تفسيرًا أكيدًا لذلك الشعور.
لكن هناك عدةَ أسبابٍ منها: ضيقِ وقتِ الحصةِ وضغطِ المعلمةِ لكي تحصلَ على ما كتبناه، أسلوبِ تدريسِ التعبير لا يُقدم لنا تقنيات تيسِّرُ لنا الكتابة، الصرامة في تدريس التعبير وتصحيح الدفاتر بالقلم الأحمر وإعطاء “علامة” على التعبير، أو ربّما الرغبةُ في الكتابة السليمةِ من أوّلِ مرةٍ جعلت منها عبئًا وأصابتني بشللٍ في التفكير.
أحدُ ما سبق أو جميعُها كان سببًا في تلك المشاعر ِالسلبيةِ تجاه التعبير.
تحسّن العلاقة مع التعبير والكتابة
ما بعد المدرسة، وخلال الثلاثين عامًا المنصرمة من حياتي، كنتُ في كلِّ موقفٍ أضْطرُّ فيه إلى الكتابة أجِدُ من يقول لي بقدْرٍ من الإعجاب: أنت من كتبتِ هذا الكلام؟ يجب أن تستمري في الكتابة، ينبغي أن تحددي ساعةً للكتابة يوميًّا.
كنتُ أسْعدُ بهذا الكلام ولا أعملُ به؛ لأنّي “مشغولة”. بهذه الكلمة كنتُ أسوغُ لنفسي الهروب من الكتابة، لماذا كنت أهرب؟ لا أعلم.
في فترةٍ ما، كان عليّ أنْ أُسلّمَ بحثَ التخرّج، وانهمكتُ في كتابةِ البحث، وأصبحتُ في مواجهةِ التعبيرِ مرةً أخرى. هذه المرة خَطَفَني التعبيرُ، أَسَرَتْني الكتابةُ، حتى بتُّ لا أعرفُ أين أنا.
أخْرُجُ على صغاري من مكتبي وكأنّ خندقًا بيني وبينهم، وكأنّي قادمةٌ من عالمٍ آخر، لا أستطيعُ أن أعودَ لواقعي؛ خفتُ خوفًا شديدًا من الكتابة. ليستْ صعوبةُ الكتابةِ الآن هي العائق، ولكنّهُ الخوفُ.
إلى أين تأخذُني الكتابةُ؟ وصغاري مَن لهُم؟ تركتُها هذه المرة وأنا أعلم لماذا تركتها.
أنا الآن أعرفُ لماذا كنتُ أهربُ من الكتابة، و لم يعُد هناك داعٍ لتركها والخوف منها؛ أنا الآن بصحبتها.
ملاحظة
تنشر هذه المقالة هنا بتاريخ حديث مغاير لتاريخ نشرها الأصلي؛ وذلك بسبب نقلها من مدونتي القديمة إلى هنا.
لقد كانت هذه التدوينة أوّل تدوينة لي على وورد برس، وكانت بهدف المشاركة في تحدي التأمل الذي أقامه حساب مرجع التدوين